فصل: رقم الآية ‏(‏ 99 ‏:‏ 103‏)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر ابن كثير **


 رقم الآية ‏(‏ 99 ‏:‏ 103‏)

{‏ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ‏.‏ أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ‏.‏ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ‏.‏ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ‏.‏ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ‏}

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أنزلنا إليك آيات بينات‏}‏ الآية‏.‏ أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات، دالاّت على نبوّتك، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب اللّه من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة، فأطلع اللّه في كتابه الذي أنزله على نبيّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف من نفسه، ولم يدعها إلى هلاكها الحسدُ والبغيُ‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ قال ابن صوريا القطويني لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل اللّه عليك من آية بينة فنتبعك، فأنزل اللّه في ذلك‏:‏ ‏{‏ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون‏}‏ وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكَّرهم ما أُخذ عليهم من الميثاق، وما عُهد إليهم في محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏واللّه ما عهد إلينا في محمد، وما أُخذ علينا ميثاقٌ، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم‏} وقال الحسن البصري في قوله‏:‏ ‏{‏بل أكثرهم لا يؤمنون‏}‏ قال‏:‏ نعم ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً، وقال السدي‏:‏ لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏نبذه فريق منهم‏}‏ أي نقضه فريق منهم‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ أصل النبذ الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذاً، ومنه سمي النبيذ - وهو التمر والزبيب - إذا طرحا في الماء، قال أبو الأسود الدؤلي‏:‏

نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه * كنبذك نعلاً أخلقتْ من نعالكا

قلت‏:‏ فالقوم ذمهم اللّه بنبذهم العهود التي تقدم اللّه إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ونصرته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم‏}‏ الآية، أي طرح طائفة منهم كتاب اللّه الذي بأيديهم مما فيه البشارة بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وراء ظهورهم، أي تركوها كأنهم لا يعلمون ما فيها وأقبلوا على تعلم السحر واتّباعه، ولهذا أرادوا كيداً برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسحروه في مُشْط ومُشَاقه وجُفّ طلعة ذَكَرٍ تحت راعوفة ببئر أروان، وكان الذي تولى ذلك منهم رجل يقال له لبيد بن الأعصم لعنه اللّه وقبحه، فأطلع اللّه على ذلك رسوله صلى اللّه عليه وسلم وشفاه منه وأنقذه، كما ثبت ذلك مبسوطاً في الصحيحين كما سيأتي بيانه‏.‏

قال السدي‏:‏ ‏{‏ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم‏}‏ قال‏:‏ لما جاءهم محمد صلى اللّه عليه وسلم عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة، وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏كأنهم لا يعلمون‏}‏ وقال قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏كأنهم لا يعلمون‏}‏ قال‏:‏ إن القوم كانوا يعلمون ولكنهم نبذوا علمهم وكتموه وجحدوا به‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الإسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً، وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها‏.‏ قال‏:‏ فأكفره جهال الناس وسبُّوه، ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبّونه حتى أنزل اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‏}‏ وقال السدي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان‏}‏ أي على عهد سليمان، قال‏:‏ كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا ذلك في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنوا من الكرسي إلا احترق، وقال‏:‏ لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه‏.‏

فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خلف، تمثل الشيطان في صورة إنسان، ثم أتى نفراً من بني إسرائيل فقال لهم‏:‏ هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً ‏"‏أي لا ينفد بالأكل منه‏"‏قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ فاحفروا تحت الكرسي، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوهها قال الشيطان‏:‏ إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ثم ذهب، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً، واتخذت بنوا إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد صلى اللّه عليه وسلم خاصموه بها فذلك حين يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‏}‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم، فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته، فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه فدنت إلى الإنس فقالوا لهم‏:‏ أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخّر به الشياطين والرياح وغير ذلك‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، قالوا‏:‏ فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه، فاستخرجوه وعملوا به، فأنزل اللّه تعالى على نبيّه محمد صلى اللّه عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‏}‏ لما ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما نزل عليه من اللّه سليمان بن داودوعدّه فيمن عد من المرسلين، قال مَن كان بالمدينة من اليهود‏:‏ ألا تعجبون من محمد‏؟‏ يزعم أن ابن داود كان نبياً واللّه ما كان إلا ساحراً، وأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‏}‏ الآية‏.‏

وروي أنه لما مات سليمان عليه السلام قام إبليس - لعنه اللّه - خطيباً فقال‏:‏ يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبياً إنما كان ساحراً فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته، ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه، فقالوا‏:‏ واللّه لقد كان سليمان ساحراً، هذا سحرهُ بهذا تعَّبدنا وبهذا قهرنا، فقال المؤمنون‏:‏ بل كان نبياً مؤمناً‏.‏ فلما بعث اللّه النبي محمداً صلى اللّه عليه وسلم وذكر داود وسليمان، فقالت اليهود‏:‏ انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحراً يركب الريح، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان‏}‏ ‏"‏رواه ابن جرير عن شهر بن حوشب‏"‏الآية‏.‏ فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان‏}‏ أي واتبعت اليهود الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب اللّه الذي بأيديهم ومخالفتهم لرسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم ما تتلوه الشياطين أي ما ترويه وتخبر به وتحدثه الشياطين على ملك سليمان، وعدّاه بعلى لأنه تضمن ‏{‏تتلو‏}‏ تكذب‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ ‏{‏على‏}‏ ههنا بمعنى في، أي تتلو في ملك سليمان، ونقله عن ابن جريج وابن إسحاق قلت والتضمن أحسن وأولى، واللّه أعلم وقول الحسن البصري رحمه اللّه‏:‏ - وكان السحر قبل زمن سليمان - صحيحٌ لا شك فيه، لأن السحرة كانوا في زمان موسى عليه السلام وسليمان بن داود بعده كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى‏}‏ الآية ثم ذكر القصة بعدها، وفيها‏:‏ ‏{‏وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة‏}‏ وقال قوم صالح - وهم قبل ابراهيم الخليل عليه السلام - لنبيهم صالح إنما ‏{‏أنت من المسحَّرين‏}‏ أي المسحورين على المشهور، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنزل على الملكين بباب هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفره فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه‏}‏ اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أن ما نافية أعني التي في قوله‏:‏ ‏{‏وما أنزل على الملكين‏}‏ قال القرطبي‏:‏ ما نافية ومعطوف على قوله ‏{‏وما كفر سليمان‏}‏ ثم قال ‏{‏ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين‏}‏، وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم اللّه وجعل قوله ‏{‏هاروت وماروت‏}‏ بدلاً من الشياطين، قال‏:‏ وصح ذلك إما لأن الجمع يطلق على الإثنين كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كان له إخوة‏}‏ أو لكونهما لهما أتباع، أو ذكرا من بينهم لتمردهما‏.‏ تقدير الكلام عنده‏:‏ يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، ثم قال‏:‏ وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ولا يلتفت إلى ما سواه‏.‏

وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وما أنزل على الملكين ببابل‏}‏ الآية‏.‏ يقول‏:‏ لم ينزل اللّه السحر، وبإسناده عن الربيع بن أنَس في قوله ‏{‏وما أنزل على الملكين‏}‏ قال‏:‏ ما أنزل اللّه عليهما السحر‏.‏ قال ابن جرير‏.‏ فتأويل الآية على هذا واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر وما كفر سليمان ولا أنزل اللّه السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت‏.‏ فيكون قوله ‏{‏ببابل هاروت وماروت‏}‏ من المؤخر الذي معناه المقدم قال‏:‏ فإن قال لنا قائل‏:‏ كيف وجه تقديم ذلك‏؟‏ قيل‏:‏ وجه تقديمه أن يقال‏:‏ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر وما كفر سليمان وما أنزل اللّه السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون معنياً بالملكين جبريل وميكائيل عليهما السلام، لأن سحرة اليهود فيما ذكرت كانت تزعم أن اللّه أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم اللّه بذلك وأخبر نبيّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر، وبرأ سليمان عليه السلام مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم أحدهما

هاروت واسم الآخر ماروت فيكون هاروت وماروت علىهذا التأويل ترجمة عن الناس ورداً عليهم‏.‏ ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول وإن ما بمعنى الذي، وأطال القول في ذلك، وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما اللّه إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختباراً لعباده وامتحاناً بعد أن بيَّن لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل، وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك لأنهما امتثلا ما أمرا به، وهذا الذي سلكه غريب جداً، وأغرب منه قوله من زعم أن ‏{‏هاروت وماروت‏}‏ قبيلان من الجن كما زعمه ابن حزم‏.‏

وقد روي في قصة هاروت و ماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنَس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم وقصَّها خلق من المفسِّرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده اللّه تعالى، واللّه أعلم بحقيقة الحال

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر‏}‏، عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية‏:‏ نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي اراد اللّه أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهم الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر‏.‏ وقال قتادة‏:‏ كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة‏:‏ أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر‏.‏ وقال ابن جرير في هذه الآية‏:‏ لا يجترىء على السحر إلا كافر‏.‏ وأما الفتنة فيه المحنة والأختبار، ومنه قول الشاعر‏:‏

وقد فتن الناس في دينهم * وخلى ابن عفان شراً طويلا

ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏}‏

وكذلك قوله تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام حيث قال‏:‏ ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر واستشهد له بالحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏)‏ ‏"‏رواه البزار بسند صحيح‏"‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه‏}‏ أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر، ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والإئتلاف، وهذا من صنيع الشياطين كما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول‏:‏ ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس‏:‏ لا واللّه ما صنعت شيئاً‏!‏ ويجيء أحدهم فيقول‏:‏ ما تركته حتى فرّقت بينه وبين أهله، قال‏:‏ فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول‏:‏ نعم أنت ‏"‏رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه‏"‏ وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خلق أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله‏}‏ قال سفيان الثوري‏:‏ إلا بقضاء اللّه، وقال الحسن البصري‏:‏ من شاء اللّه سلطهم عليه ومن لم يشأ اللّه لم يسلط، ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن اللّه وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم‏}‏ أي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره ‏{‏ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق‏}‏ أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك، أنه ما له في الآخرة من خلاق، قال ابن عباس من نصيب، ‏{‏ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون‏}‏ يقول تعالى ‏{‏ولبئس‏}‏ البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم علم بما وعظوا به ‏{‏ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير‏}‏ أي ولو أنهم آمنوا باللّه ورسله واتقوا المحارم، لكان مثوبة اللّه على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقَّاها إلا الصابرون‏}‏‏.‏

وقد استدل بقوله‏:‏ ‏{‏ولو أنهم آمنوا واتقوا‏}‏ من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد ابن حنبل وطائفة من السلف، وقيل‏:‏ بل لا يكفر ولكن حده ضرب عنقه، لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول‏:‏ كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال‏:‏ فقتلنا ثلاث سواحر ‏"‏رواه البخاري من صحيحه‏"‏وصح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت، قال الإمام أحمد ابن حنبل‏:‏ صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم في قتل الساحر، وروى الترمذي عن جندب الأزدي أنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏حد الساحر ضربه بالسيف‏)‏ ‏"‏رواه الترمذي عن جندب الأزدي مرفوعاً وقال‏:‏ لا نعرفه مرفوعاً ألا من هذا الوجه‏"‏وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عُقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس‏:‏ سبحان اللّه يحيي الموتى‏!‏‏!‏ ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه، وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال‏:‏ إنْ كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفتاتون السحر وأنتم تبصرون‏}‏ فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه، واللّه أعلم‏.‏ وحمل الشافعي رحمه اللّه قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً، واللّه أعلم‏.‏

 فصل

حكى الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر، قال‏:‏ وربما كفَّروا من اعتقد وجوده، وأما أهل السنّة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً، إلا أنهم قالوا‏:‏ إن اللّه يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافاً للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استُدل على وقوع السحر، وأنه بخلق اللّه تعالى بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله‏}‏‏.‏ ومن الأخبار بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سُحِرَ وأن السحر عمل فيه، وبقصة المرأة مع عائشة رضي اللّه عنها، وما ذكرت من إتيانها بابل وتعلمها السحر‏.‏

ثم قد ذكر أبو عبد اللّه الرازي أن  أنواع السحر ثمانية  الأول‏:‏ سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر وهم الذين بعث اللّه إليهم ابراهيم الخليل مبطلاً لمقالتهم وراداً لمذهبهم‏.‏

و النوع الثاني‏:‏ سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم استدل على أن الوهم له تأثير بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام، وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق لما ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين‏)‏‏.‏

و النوع الثالث من السحر‏:‏ الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن خلافاً للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين‏:‏ مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، قال‏:‏ واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الإتصال بهذه الأرواح الأرضيه يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير‏.‏

 النوع الرابع من السحر‏:‏ التخيلات، والأخذ بالعيون، والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جداً، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله‏.‏

قلت وقد قال بعض المفسِّرين‏:‏ إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب بالشعبذة ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يخَيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى‏}‏ قالوا‏:‏ ولم تكن تسعى في نفس الأمر، واللّه أعلم‏.‏

 النوع الخامس من السحر‏:‏ الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان حتى يصورنها ضاحكة ‏؟‏‏؟‏ إلى أن قال‏:‏ فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل، قال‏:‏ وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل، ‏؟‏‏؟‏ ما قاله بعض المفسرين‏:‏ إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقاً فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها، ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطعام منهم، وأما الخواص فهم معترفون بذلك ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغاً لهم‏.‏

 النوع السادس من السحر‏:‏ الاستعانة بخواص الأدوية في الأطعمة والدهانات، قال‏:‏ واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن تأثير المغناطيس مشاهد‏.‏ قلت يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعياً أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات‏.‏

 النوع السابع من السحر‏:‏ التعليق للقلب، وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الإسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا اتفق أن يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخالفة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة، فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء‏.‏ قلت‏:‏ هذا النمط يقال له التّنْبلة وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم، وفي عِلْم الفِراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه، فإذا كان النبيل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره‏.‏

 النوع الثامن من السحر‏:‏ السعي بالنميمة من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس قلت النميمة على قسمين‏:‏ تارةً تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه، فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين، أو على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة؛ فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏الحرب خدعة‏)‏ وإنما يحذوا على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة واللّه المستعان‏.‏

ثم قال الرازي فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه، قلت‏:‏ وإنما أدخل كثيرا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏إن من البيان لسحراً‏)‏، وسمي السحور لكونه يقع خفياً آخر الليل، والسَّحْرُ‏:‏ الرئة، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة‏:‏ انتفخ سَحْره، أي انتفخت رئته من الخوف وقالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين سَحْري ونحري‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ وعندنا أن السحر حق، وله حقيقة، يخلق اللّه عنده ما يشاء، خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا‏:‏ إنه تمويه وتخيل، قال‏:‏ ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، ومنه ما يكون كلاماً يحفظ ورقى من أسماء اللّه تعالى، وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك، قال‏:‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن من البيان لسحراً‏)‏ يحتمل أن يكون مدحاً كما تقوله طائفة ويحتمل أن يكون ذماً للبلاغة، قال‏:‏ وهذا أصح، قال‏:‏ لأنها تصوّب الباطل حتى توهم السامع أنه حق، كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له‏)‏ الحديث‏.‏

 فصل

واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد‏:‏ يكفر بذلك، ومن أصحاب أبي حنيفة من قال إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر، وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي رحمه اللّه‏:‏ إذا تعلم السحر قلنا له‏:‏ صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر‏.‏ فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال‏:‏ يقتل والحالة هذه فصاصاً، قال‏:‏ وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته‏؟‏ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم‏:‏ لا تقبل، وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل، وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم، وقال مالك وأحمد والشافعي‏:‏ لا يقتل لقصة لبيد بن الأعصم ، واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل واللّه أعلم‏.‏

 مسْألة

وهل يسأل الساحر حلاً لسحره‏؟‏ فأجازه سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري، وقال الشعبي‏:‏ لا بأس بالنشرة، وكره ذلك الحسن البصري، وفي الصحيح عن عائشة أنها قالت‏:‏ يا رسول اللّه هلا تنشرت، فقال‏:‏ ‏(‏أمَّا اللّه فقد شفاني وخشيت أن أفتح على الناس شراً‏)‏ وحكى القرطبي عن وهب‏:‏ أنه قال يؤخذ سبع ورقات من سدر، فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات، ثم يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به، وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته قلت ‏:‏ أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل اللّه على رسوله في إذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما‏)‏ وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان‏.‏

 رقم الآية ‏(‏104 ‏:‏ 105‏)‏

{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ‏.‏ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ‏}

نهى اللّه تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص - عليهم لعائن اللّه - فإذا أرادوا أن يقولوا‏:‏ اسمع لنا، يقولوا راعنا ويورُّون بالرعونة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ‏.‏ ليا بألسنتهم وطعنا في الدين‏}‏ وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلَّموا إنما يقولون السام عليكم والسام هو الموت، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم ب وعليكم ، والغرض أن اللّه تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً، فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم‏}‏ وقال صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد وابو داود عن ابن عمر رضي اللّه عنهما‏"‏ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار، في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نقر عليها‏.‏

وروي أن رجلاً أتى عبد اللّه بن مسعود فقال‏:‏ اعهد إليّ، فقال‏:‏ إذا سمعت اللّه يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ فأرعها سمعك فإنه خيرٌ يأمر به، أو شر ينهى عنه، وقال الأعمش عن خيثمة ما تقرأون في القرآن‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ فإنه في التوراة‏:‏ ‏"‏يا أيها المساكين‏"‏قال ابن عباس‏:‏ ‏"‏راعنا‏"‏أي أرعنا سمعَك، وقال الضحاك‏:‏ كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ أرعنا سمعك، قال عطاء‏:‏ كانت لغة تقولها الأنصار فنهى اللّه عنها، وقال أبو صخر‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أدبر ناداه مَن كانت له حاجة من المؤمنين فيقول‏:‏ أرعنا سمعك، فأعظم اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يقال ذلك له‏.‏ وقال السُّدي‏:‏ كان رجل من اليهود من بني قينقاع يدعى ‏"‏رفاعة بن زيد‏"‏يأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا لقيه فكلَّمه قال‏:‏ أرعني سمعك، واسمع غير مسمع، وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تُفَخّم بهذا، فكان ناس منهم يقولون‏:‏ اسمع غير مسمع، فنهوا أن يقولوا راعنا، قال ابن جرير‏:‏ والصواب من القول في ذلك عندنا‏:‏ أن اللّه نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم راعنا، لأنها كلمة كرهها اللّه تعالى أن يقولوها لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم‏}‏ يبيّن بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذَّر اللّه تعالى من مشابهتهم للمؤمنين ليقطع المودَّة بينهم وبينهم، ونبَّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين، من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى اللّه عليه وسلم حيث يقول تعالى‏:‏ ‏{‏والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏}‏‏.‏

 رقم الآية ‏(‏106 ‏:‏ 107‏)

{‏ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ‏.‏ ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ‏}

قال ابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية‏}‏ ما نبدل من آية، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية‏}‏ أي ما نمحو من آية، مثل قوله‏:‏ ‏(‏الشيخ والشيخة إذا زنَيا فارجموهما البتّة‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً‏)‏، وقال ابن جرير‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية‏}‏ ما ننقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيّره، وذلك أن نحوّل الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحةفأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ‏.‏ وأصل النسخ‏:‏ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة أُخرى إلى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره، إنما هو تحويله ونقل عبارة إلى غيرها، وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة، وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ، والأمرُ في ذلك قريب‏.‏ لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء، ولحظ بعضهم أنه‏:‏ رفع الحكم بدليل شرعي متأخر، فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل وعكسه والنسخ لا إلى بدل‏.‏ وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوطة في أُصول الفقه‏.‏ وقال الطبراني‏:‏ قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنها مما نسخ وأنسي فالهوا عنها‏)‏ ‏"‏رواه الطبراني وفي سنده سليمان بن الأرقم ضعيف‏"‏‏)‏ فكان الزهري يقرؤها‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية أو ننسها‏}‏ بضم النون الخفيفة

وقوله تعالى ‏{‏أو ننسها‏}‏ فقرىء على وجهين‏:‏ ‏{‏نَنْسأها‏}‏، ‏{‏ونُنسِها‏}‏، فأما من قرأها بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه نؤخرها‏.‏ قال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود ‏{‏أو ننسأها‏}‏ نثبت خطها ونبدل حكمها، وقال مجاهد وعطاء‏:‏ ‏{‏أو ننسأها‏}‏ نؤخرها ونرجئها‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ خطبنا عمر رضي اللّه عنه فقال‏:‏ يقول اللّه عز وجلّ‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية أو ننسأها‏}‏ أي نؤخرها ‏"‏ذكره ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏"‏، وأما على قراءة ‏{‏أو نُنْسها‏}‏ فقال قتادة‏:‏ كان اللّه عزّ وجلّ ينسي نبيّه صلى اللّه عليه وسلم ما يشاء، وينسخ ما يشاء‏.‏ وقال ابن جرير عن الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏أو ننسها‏}‏ قال‏:‏ إن نبيكم صلى اللّه عليه وسلم قرأ قرآناً ثم نسيه، وعن ابن عباس‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏كان مما ينزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس‏"‏وقال عمر‏:‏ أقرؤنا أبيّ، واقضانا علي، وإنَّا لندع من قول أبيّ، وذلك أن أبيّاً يقول‏:‏ لا أدع شيئاً سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد قال اللّه ‏{‏ما ننسخ من آية أو ننسها‏}‏ ‏"‏أخرجه البخاري بسنده إلى عمر رضي اللّه عنه‏"‏وقولهُ‏:‏ ‏{‏نأت بخير منها أو مثلها‏}‏ أي في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين، كما قال ابن عباس‏:‏ خير لكم في المنفعة وأرفق بكم‏.‏ وقال السدي‏:‏ ‏{‏نأت بخير منها أو مثلها‏}‏ نأت بخير من الذي نسخناه أو مثل الذي تركناه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏ألم تعلم أن اللّه على كل شيء قدير* ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير‏}‏ يرشد عباده تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر، وهو المتصرف فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويوفق من يشاء ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء ويحظر ما يشاء وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه، ‏{‏لا يسأل عما يفعل وهم يسألون‏}‏ ويختبر عباده بالنسخ فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى، ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى، فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله في تصديق ما أخبروا، وامتثال ما أمروا وترك ما عنه زجروا، وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم لعنها اللّه في دعوى إستحالة النسخ إما عقلاً كما زعمه بعضهم جهلاً وكفراً، وإما نقلاً كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكاً، قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه اللّه‏:‏ فتأويل الآية‏:‏ ألم تعلم يا محمد أن لي ملء السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء، وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء، وأنهى عما أشاء وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي بما أشاء إذ أشاء، وأقر فيهما ما أشاء، ثم قال‏:‏ وهذا الخبر وإن كان خطاباً من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم على وجه الخبر عن عظمته، فإنه منه جل ثناؤه تكذيب لليهود، الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، لمجيئهما بما جاءا به من عند اللّه بتغيير ما غيَّر اللّه من حكم التوراة، فأخبرهم اللّه أن له ملك السماوات وسلطانهما، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته، وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه، وأن له أمرهم بما يشاء ونهيهم عما يشاء، ونسخ ما يشاء وإقرار ما يشاء، وإنشاء ما يشاء من إقراره وأمره ونهيه‏.‏

قلت ‏:‏ الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ إنما هو الكفر والعناد، فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام اللّه تعالى، لأنه يحكم ما يشاء كما أنه يفعل ما يريد، مع أنه قد وقع ذلك في كتبه المتقدمة وشرائعه الماضية، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرم ذلك، وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانا ثم نسخ حلَّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباحاً لإسرائيل وبنيه وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها، وأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده ثم نسخه قبل الفعل، وأشياء كثيرة يطول ذكرها وهم يعترفون بذلك ويصدفون عنه‏.‏ ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ رداً على اليهود عليهم لعنة اللّه حيث قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض‏}‏ الآية فكما أن له الملك بلا منازع فكذلك له الحكم بما يشاء ‏{‏ألا له الخلق والأمر‏}‏‏.‏

والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام اللّه تعالى، لما له في ذلك من الحكمة البالغة وكلهم قال بوقوعه، وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسِّر‏:‏ لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وقوله ضعيفٌ مردود مرذول، وقد تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ، فمن ذلك قضية العدة بأربعة أشهر وعشر بعد الحول، لم يجب عن ذلك بكلام مقبول، وقضية تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس لم يجب بشيء، ومن ذلك نسخ مصابرة المسلم لعشرة من الكفرة إلى مصابرة الأثنين، ومن ذلك نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وغير ذلك ‏"‏انظر بحث النسخ في تفسيرنا [1]‏"‏روائع البيان‏"‏، الجزء الأول، ص 109‏"‏، واللّه أعلم‏.‏

 رقم الآية ‏(‏108‏)‏

{‏ أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ‏}

نهى اللّه تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن كثرة سؤال النبي عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوءكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم‏}‏ أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه فلعله أن يحرَّم من أجل تلك المسألة، ولهذا جاء في الصحيح‏:‏ ‏(‏إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته‏)‏‏.‏ وثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال‏.‏ وفي صحيح مسلم‏:‏‏(‏ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم‏.‏ فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه‏)‏‏.‏ وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم أن اللّه كتب عليهم الحج فقال رجل‏:‏ أكلَّ عام يا رسول اللّه‏؟‏ فسكت عنه رسول اللّه ثلاثاً، ثم قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم‏)‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏ذروني ما تركتكم‏)‏ الحديث‏.‏ ولهذا قال أنس بن مالك‏:‏ نهينا أن نسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع‏.‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ ما رأيت قوماً خيراً من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن ‏{‏يسألونك عن الخمر والميسر - و - يسألونك عن الشهر الحرام - ويسألونك عن اليتامى‏}‏ ‏"‏رواه البزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏"‏يعني هذا وأشباهه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل‏}‏ أي بل تريدون أو هي على بابها في الاستفهام وهو إنكاري وهو يعمّ المؤمنين والكافرين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يسألك أهل الكتاب أن تنزِّل عليهم كتاباً من السماء‏}‏ عن ابن عباس قال‏:‏ قال رافع بن حرملة ووهب بن زيد‏:‏ يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهاراً نتبعك ونصدقك، فأنزل اللّه من قولهم‏:‏ ‏{‏أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل‏؟‏ ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل‏}‏ ‏"‏أخرجه محمد بن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس‏"‏

وقال مجاهد‏:‏ سألت قريش محمداً صلى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، قال‏:‏ ‏(‏نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل‏)‏ فأبوا ورجعوا، والمراد أن اللّه ذم من سأل الرسول صلى اللّه عليه وسلم عن شيء على وجه التعنت والاقتراح كما سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام تعنتاً وتكذيباً وعناداً‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يتبدل الكفر بالإيمان‏}‏ أي ومن يشترِ الكفر بالإيمان ‏{‏فقد ضل سواء السبيل‏}‏ أي فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال، وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد لهم، إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها على وجه التعنت والكفر كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه كفراً وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار‏}‏‏.‏

 رقم الآية ‏(‏109 ‏:‏ 110‏)‏

{‏ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ‏.‏ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير ‏}

يُحذِّر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو أو الإحتمال حتى يأتي أمر اللّه من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبحثهم على ذلك ويرغبهم فيه كما قال ابن عباس‏:‏ كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود العرب حسداً، إذ خصهم اللّه برسوله صلى اللّه عليه وسلم، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما‏:‏ ‏{‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم‏}‏ الأية‏.‏ روي أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيه أنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فاعفوا واصفحوا‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق‏}‏ يقول من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئاً، ولكن الحسد حملهم على الجحود فعيَّرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة وشرع لنبيه صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل اللّه عليهم وما أنزل من قبلهم بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته له‏.‏ وقال الربيع بن أنَس ‏{‏من عند أنفسهم‏}‏ من قِبَل أنفسهم، وقال أبو العالية‏:‏ ‏{‏من بعد ما تبين لهم الحق‏}‏ من بعد ما تبين أن محمداً رسول اللّه يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسداً وبغياً‏.‏

قال ابن عباس في قوله ‏{‏فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره‏}‏ نسخ ذلك قوله‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏، وقوله‏:‏ قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر‏}‏، وكذا قال أبو العالية وقتادة والسدي‏:‏ إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى يأتي الله بأمره‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‏}‏ يحثهم تعالى على الإشتغال بما ينفعهم، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يمكَّن لهم اللّه النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله بما تعملون بصير‏}‏ يعني أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل، ولا يضيع لديه سواء كان خيراً أو شراً فإنه سيجازي كل عامل بعمله‏.‏ وقال ابن جرير في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن اللّه بما تعملون بصير‏}‏ هذا الخبر من اللّه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سراً وعلانية فهو به بصير، لا يخفى عليه منه شيء فيجزيهم بالإحسان خيراً وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج فإن فيه وعداً ووعيداً، وأمراً وزجراً وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته إذ كان مذخوراً لهم عنده حتى يثيبهم عليه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‏}‏ وليحذروا معصيته‏.‏ قال وأما قوله ‏{‏بصير‏}‏ فإنه مبصر صرف إلى بصر كما صرف مبدع إلى بديع و مؤلم إلى أليم، واللّه أعلم‏.‏

 رقم الآية ‏(‏111 ‏:‏ 113‏)‏

‏{‏ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‏.‏ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ‏}‏

يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها فأكذبهم اللّه تعالى كما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة ‏{‏تلك أمانيهم‏}‏ قال أبو العالية‏:‏ أمانيّ تمنوها على اللّه بغير حق، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ أي يا محمد ‏{‏هاتوا برهانكم‏}‏ أي حجتكم ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أي فيما تدعونه‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن‏}‏ أي من أخلص العمل للّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتبعن‏}‏ الآية‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏بلى من أسلم‏}‏ أخلص ‏{‏وجهه‏}‏ قال‏:‏ دينه ‏{‏وهو محسن‏}‏ أي اتبع فيه الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فإنَّ للعمل المتقبل شرطين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون خالصاً للّه وحده، والآخر أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، فمتى كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يتقبل، ولهذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏رواه مسلم من حديث عائشة مرفوعا‏"‏‏)‏ فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فرض أنهم مخلصون فيه للّه - فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعاً للرسول صلى اللّه عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية‏}‏ وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي اللّه عنه أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي، وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد للّه فهو أيضاً مردود على فاعله وهذا حال المرائين والمنافقين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون اللّه إلا قليلاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً‏}‏ وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏}‏ ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور وآمنهم مما يخافونه من المحذور ‏{‏لا خوف عليهم‏}‏ فيما يستقبلونه، ‏{‏ولا هم يحزنون‏}‏ على ما مضى مما يتركونه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب‏}‏ بيَّن به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس‏:‏ لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رافع بن حرملة‏:‏ ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود‏:‏ ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل اللّه في ذلك من قولهما‏:‏ ‏{‏وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب‏}‏ قال‏:‏ إن كلاّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به، أن يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ اللّه عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى وما جاء من التوراة من عند اللّه وكل يكفر بما في يد صاحبه‏.‏ وهذا القول يقتضي أن كلاً من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهم يتلون الكتاب‏}‏ أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد بالفاسد وقوله‏:‏ ‏{‏كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم‏}‏ بيَّن بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا به من القول وهذا من باب الإيماء والإشارة، وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين لا يعلمون‏}‏ قال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ مَن هؤلاء الذين لا يعلمون‏؟‏ قال‏:‏ أُمم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والإنجيل، وقال السُّدي‏:‏ ‏{‏كذلك قال الذين لا يعلمون‏}‏ هم العرب قالوا ليس محمد على شيء، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع وليس ثَمَّ دليل قاطع يعين واحداً من هذه الأقوال والحمل على الجميع أولى، واللّه أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون‏}‏ أي أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج‏:‏ ‏{‏إن الذين آمنوا والذن هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركون إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إن اللّه على كل شيء شهيد‏}‏، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم‏}‏‏.‏

 رقم الآية ‏(‏114‏)‏

{‏ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ‏}

اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد اللّه وسعوا في خرابها على قولين‏:‏ أحدهما‏:‏ هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس ويمنعون الناس أن يصلوا فيه‏.‏ قال قتادة‏:‏ أولئك أعداء اللّه النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس‏.‏ وقال السُّدي‏:‏ كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن يطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا‏.‏ القول الثاني‏:‏ ما رواه ابن جرير عن ابن زيد قال‏:‏ هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم وقال لهم‏:‏ ‏(‏ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده‏)‏ فقالوا‏:‏ لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وسعى في خرابها‏}‏ عن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه‏}‏ ثم اختار ابن جرير القول الأول واحتج بأن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس‏.‏ قلت‏:‏ والذي يظهر - واللّه أعلم - القول الثاني كما قاله ابن زيد فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذي أخرجوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا‏؟‏ أخرجوا عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏}‏ وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر اللّه فيها وفي إقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين‏}‏ هذا خبر معناه الطلب أي لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية، ولهذا لما فتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادي برحاب مِنى‏:‏ ‏(‏ألا يحجنَّ بعد العام مشرك، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته‏)‏، وقال بعضهم‏:‏ ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلا خائفين على حال التهيب وارتعاد الفرائض من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلاً أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها‏.‏ والمعنى‏:‏ ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم، وقيل‏:‏ إن هذا بشارة من اللّه للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم، وقد أنجز اللّه هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وأوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى اليهود والنصارى منها وللّه الحمد والمنة، وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام، وتطهير البقعة التي بعث اللّه فيها رسوله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً صلوات اللّه وسلامه عليه، وهذا هو الخزي لهم في الدنيا لأن الجزاء من جنس العمل فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام صُدُّوا عنه، وكما أجلوهم من مكة أُجلوا عنها ‏{‏ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏}‏ على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير اللّه عنده، والطواف به عرياً وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها اللّه ورسوله، وأما من فسر بيت المقدس فقال كعب الأحبار إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه، فلما بعث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم أنزل عليه‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين‏}‏ الآية فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً، وقال قتادة‏:‏ لا يدخلون المساجد إلا مسارقة‏.‏

 رقم الآية ‏(‏115‏)‏

‏{‏ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ‏}‏

وهذا واللّه أعلم فيه تسلية للرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه الذين أخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلّي بمكّة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفه اللّه إلى الكعبة بعد، ولهذا يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثَمَّ وجه اللّه‏}‏ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ كان أول ما نسخ من القرآن القبلة‏.‏ وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أهلها اليهود أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏قد نرى تقلب وجهك في السماء‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فولوا وجوهكم شطره‏}‏ فارتاب من ذلك اليهود وقالوا‏:‏ ‏{‏ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها‏}‏ فأنزل اللّه ‏{‏قل للّه المشرق والمغرب‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه اللّه‏}‏ وقال عكرمة‏:‏ عن ابن عباس ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه اللّه‏}‏ قال‏:‏ قبلة اللّه أينما توجهت شرقاً أو غرباً، وقال‏:‏ مجاهد ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه اللّه‏}‏ حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ وقال آخرون‏:‏ بل أنزل اللّه هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة، وإنما أنزلها ليعلم نبيّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه أن له التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنه لا يوجهون وجوههم وجهاً من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلوا منه مكان كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا‏}‏ قالوا‏:‏ ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه إلى المسجد الحرام هكذا قال، وفي قوله‏:‏ وأنه تعالى لا يخلوا منه مكان؛ إن أراد علمه تعالى فصحيح، فإنَّ علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته فلا تكون محصورة في شيء من خلقه، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذناً من اللّه أن يصلي المتطوع حيث توجه من شرق أو غرب في سفره لما روى عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يفعل ذلك ويتأول هذه الآية‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه اللّه ‏}‏‏"‏رواه مسلم والترمذي والنسائي‏"‏

وقال آخرون‏:‏ بل نزلت هذه الآي في قوم عميت عليه القبلة فلم يعرفوا شطرها، فصلُّو على أنحاء مختلفة، فقال اللّه تعالى‏:‏ لي المشارق والمغارب، فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية، لما روي عن عامر بن ربيعة عن أبيه قال‏:‏ كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلاً فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجداً يصلي فيه، فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلىغير القبلة، فقلنا‏:‏ يا رسول اللّه لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ ‏"‏رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك‏"‏الآية

عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية فأخذتهم ضبابة فلم يهتدوا إلى القبلة فصلوا لغير القبلة ثم استبان لهم بعد ما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبلة، فلما جاءوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدثوه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية‏:‏ ‏{‏ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ ‏"‏رواه ابن مردويه من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وفيه ضعف‏"‏

قال بن جرير‏:‏ ويحتمل فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم‏.‏ قال مجاهد‏:‏ لما نزلت ‏{‏ادعوني أستجب لكم‏}‏ قالوا‏:‏ إلى أين‏؟‏ فنزلت ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏إن الله واسع عليم‏}‏ يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال، وأما قوله‏:‏ ‏{‏عليم‏}‏ فإنه يعن عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء، ولا يعزب عن علمه بل هو بجميعها عليم‏.‏

 رقم الآية ‏(‏116 ‏:‏ 117‏)‏

{‏ وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون ‏.‏ بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ‏}

اشتملت هذه الآية الكريمة والتي تليها على الرد على النصارى عليهم لعائن اللّه وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات اللّه، فأكذب اللّه جميعهم في دعواهم وقولهم إن للّه ولداً فقال تعالى ‏{‏سبحانه‏}‏ أي تعالى وتقدّس وتنزَّه عن ذلك علواً كبيراً‏:‏ ‏{‏بل له ما في السموات والأرض‏}‏ أي ليس الأمر كما افتروا، وإنما له ملك السماوات والأرض ومن فيهن، وهو المتصرف فيهم وهو خالقهم ورازقهم، ومقدرهم ومسخِّرهم ومسيّرهم ومصرفهم كما يشاء، والجميع عبيد له وملك له، فكيف يكون له ولد منهم، والولد إنما يكون متولداً من شيئين متناسبين، وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد‏؟‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‏}‏، فقرر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم الذي لا نظير له ولا شبيه له، وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة، فكيف يكون له منها ولد‏؟‏ ولهذا قال البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال اللّه تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً‏)وفي الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا أحد أصبر على أذى سمعه من اللّه، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم‏)‏‏.‏

وقوله ‏{‏كل له قانتون‏}‏ مقرّون له بالعبودية‏.‏ وقال السدي‏:‏ أي مطيعون يوم القيامة، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏كل له قانتون‏}‏ مطيعون‏.‏ قال‏:‏ طاعة الكافر في سجود ظله وهو كاره، وهذا القول - وهو اختيار ابن جرير - يجمع الأقوال كلها، وهو أن القنوت الطاعة والاستكانة إلى اللّه وهو شرعي وقدري كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لله يسجد من في السموات ومن في الأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بديع السماوات والأرض‏}‏ أي خالقهما على غير مثال سبق وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث بدعة كما جاء في صحيح مسلم ‏(‏ فإن كل محدثة بدعة‏)‏ والبدعة على قسمين‏:‏ تارة تكون بدعة شرعية، كقوله‏:‏ ‏(‏فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة‏)‏، وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم‏:‏ ‏(‏نعمت البدعة هذه‏)‏ وقال ابن جرير‏:‏ ‏{‏بديع السماوات والأرض‏}‏ مبدعهما وإنما هو مُفْعِل فصرف إلى فعيل كما صرف المؤلم إلى الأليم، ومعنى المبدع المنشىء والمحدث مالا يسبقه إلى أنشاء مثله وإحداثه أحد‏.‏ قال‏:‏ ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعاً لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ فمعنى الكلام‏:‏ سبحان اللّه أن يكون له ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه، وهذا إعلامٌ من اللّه لعباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح الذي أضافوا إلى اللّه بنوته، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثلا، هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته، وهذا من ابن جرير رحمه اللّه كلام جيد وعبارة صحيحة‏.‏

وقوله تعالى ‏{‏وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون‏}‏ يبيّن بذلك كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدّر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له ‏{‏كن‏}‏ أي مرة واحدة ‏{‏فيكون‏}‏ أي فيوجد على وفق ما أراد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏}‏، وقال الشاعر‏:‏

إذا ما أراد اللّه أمراً فإنما * يقول له كن قولة فيكون

 رقم الآية ‏(‏118‏)‏

{‏ وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ‏}

قال ابن عباس‏:‏ قال رافع بن حرملة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ يا محمد إن كنت رسولاً من اللّه كما تقول، فقل للّه فيكلمنا حتى نسمع كلامه‏.‏ فأنزل اللّه في ذلك من قوله‏:‏ ‏{‏وقال الذي لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية‏}‏ ‏"‏أخرجه محمد بن إسحاق عن ابن عباس‏"‏وقال مجاهد‏:‏ النصارى تقوله، وقال قتادة والسُّدي‏:‏ هذا قول كفّار العرب، ‏{‏كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم‏}‏ قال‏:‏ هم اليهود والنصارى، ويؤيد هذا القول وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله‏}‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا‏}‏ الآية إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به إنما هو الكفر والمعاندة كما قال من قبلهم من الأُمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تشابهت قلوبهم‏}‏ أي اشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به‏}‏‏؟‏ الآية‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قد بينا الآيات لقوم يوقنون‏}‏ أي قد أوضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر، وزيادة أُخرى لمن أيقن وصدق واتبع الرسل وفهم ما جاءوا به عن اللّه تبارك وتعالى، وأما من ختم اللّه على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فأولئك قال اللّه فيهم‏:‏ ‏{‏إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم‏}‏‏.‏

 رقم الآية ‏(‏119‏)

{‏ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ‏}

عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏بشيراً بالجنة ونذيراً من النار‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ولا تسأل عن أصحاب الجحيم‏}‏ قراءة أكثرهم ‏{‏ولا تسأل‏}‏ بضم التاء على الخبر، وفي قراءة ابن مسعود ‏{‏ولا تسأل‏}‏ عن أصحاب الجحيم أي لا نسألك عن كفر من كفر بك، كقوله‏:‏ ‏{‏فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب‏}‏‏.‏

عن عطاء بن يسار قال‏:‏ لقيت عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقلت‏:‏ أخبرني عن صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التوراة فقال‏:‏ أجل واللّه إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزاً للأميين؛ أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، فيفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً‏"‏رواه البخاري وأحمد‏"‏

 رقم الآية ‏(‏120 ‏:‏ 121‏)

‏{‏ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ‏.‏ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ يعني بقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم‏}‏ وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم وأقبل على طلب رضا اللّه في دعائهم إلى ما بعثك اللّه به من الحق‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن هدى الله هو الهدى‏}‏ أي قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل ‏{‏ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير‏}‏ فيه تهديد شديد ووعيد للأمة في اتباع طرائق اليهود والنصارى، بعدما علموا من القرآن والسنّة - عياذاً باللّه من ذلك - فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته، وقد استدل كثير من الفقهاء بقول‏:‏ ‏{‏حتى تتبع ملتهم‏}‏ حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لكم دينكم ولي دين‏}‏، فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفّار، وكلٌ منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا لأنهم كلهم ملة واحدة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته‏}‏، قال قتادة‏:‏ هم اليهود والنصارى واختاره ابن جرير، وقال سعيد عن قتادة‏:‏ هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال ابن مسعود‏:‏ والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله اللّه ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله، وقال الحسن البصري‏:‏ يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه‏.‏ وقال سفيان الثوري عن عبد اللّه بن مسعود في قوله‏:‏ ‏{‏يتلونه حق تلاوته‏}‏ يتبعونه حق اتباعه‏.‏ وقال أبو موسى الأشعري‏:‏ من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة، وعن عمر بن الخطاب‏:‏ هم الذين إذا مروا بآيى رحمة سألوها من اللّه، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها‏.‏ قال‏:‏ وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أولئك يؤمنون به‏}‏ خبر، أي من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته آمن بما أرسلتك به يا محمد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‏}‏ الآية‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم‏}‏، أي إذا أقمتموها حق الإقامة، وآمنتم بها حق الإيمان، وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته وصفته، والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم‏؟‏ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فأنار موعده‏}‏ وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً‏"‏‏.‏

 رقم الآية ‏(‏122 ‏:‏ 123‏)‏

{‏ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ‏.‏ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ‏}

قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة، وكررت ههنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأُمته فحذرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم من النعم الدنيوية والدينية، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرسول الخاتم منهم، ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه والحيد عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين‏.‏

 رقم الآية ‏(‏124‏)‏

{‏ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ‏}

يقول تعالى منبِّهاً على شرف إبراهيم خليلة عليه السلام، وأن اللّه تعالى جعله إماماً للناس يقتدى به في التوحيد، حين قام به كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنواهي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات‏}‏ أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذي ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها‏.‏‏.‏ اذكر لهؤلاء ابتلاء اللّه إبراهيم أي اختاره لهم بما كلفه به من الأوامر والنواهي ‏{‏فأتمهن‏}‏ أي قام بهن كلهن كما قالت تعالى ‏{‏وإبراهيم الذي وفَّى‏}‏ أي وفَّى جميع ما شرع له فعمل به صلوات اللّه عليه‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين* شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين‏}‏‏.‏ وقوله تعالى ‏{‏بكلمات‏}‏ أي بشرائع وأوامر ونواه، ‏{‏فأتمهن‏}‏ أي قام بهن، قال‏:‏ ‏{‏إني جاعلك للناس إماماً‏}‏ أي جزاء على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله اللّه للناس قدوة وإماماً يقتدى به ويحتذى حذوه‏.‏

وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر اللّه بها إبراهيم الخليل عليه السلام، فروي عن ابن عباس قال‏:‏ ابتلاه اللّه بالمناسك، وروي عنه قال‏:‏ ابتلاه بالطهارة خمسٌ في الرأس، وخمسٌ في الجسد، في الرأس‏:‏ قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد‏:‏ تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء‏.‏ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الفطرة خمس‏:‏ الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط‏)‏‏.‏

وقال عكرمة عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهن‏}‏، قلت له‏:‏ وما الكلمات التي ابتلى اللّه إبراهيم بهن فأتمهن‏؟‏ قال‏:‏ الإسلام ثلاثون سهماً منها عشر آيات في براءة‏:‏ ‏{‏التائبون العابدون‏}‏ إلى آخر الآية، وعشر آيات في أول سورة ‏{‏قد أفلح المؤمنون‏}‏ وعشر آيات من الأحزاب‏:‏ ‏{‏إن المسلمين والمسلمات‏}‏ إلى آخر الآية فأتمهن كلهم فكتبت له براءة‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وإبراهيم الذي وفى‏}‏ وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال‏:‏ الكلمات التي ابتلى اللّه بهن إبراهيم فأتمهن‏:‏ فراق قومه في اللّه حين أمر بمفارقتهم، ومحاجته نمروذ في اللّه حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في اللّه على هول ذلك من أمرهم، والهجرة بعد ذلك من ووطنه وبلاده في اللّه حين أمره بالخروج عنهم، وما أمر به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه، فلما مضى على ذلك من اللّه كله وأخلصه للبلاء قال اللّه له‏:‏ ‏{‏أسلم قال أسلمت لرب العالمينْ‏}‏ على ما كان من خلاف الناس وفراقهم‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ كان الحسن يقول‏:‏ إي واللّه، لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين، ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجراً إلى اللّه، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه بذبح ابنه، والختان فصبر على ذلك‏.‏ وعن الربيع بن أنس قال‏:‏ الكلمات إني جاعلك للناس إماما‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وإذ يرفع إبراهيم القوعد من البيت وإسماعيل‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم‏.‏ وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول‏:‏ إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من ضاف الضيف، وأول من قلم أظفاره، وأول من قص الشارب، وأول من شاب‏.‏ فلما رأى الشيب قال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ وقار، قال‏:‏ يا رب زدني وقاراً‏.‏

قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله‏:‏ إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجاز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع‏.‏ قال‏:‏ ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له‏.‏ ولما جعل الله إبراهيم إماماً سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك، وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد الله، ولا يكونون أئمةً فلا يقتدى بهم ‏{‏قال ومن ذريَّتي، قال لا ينالُ عهدي الظالمين‏}‏، والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت‏:‏ ‏{‏وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب‏}‏ فكل نبي أرسله اللّه، وكل كتاب أنزل الله بعد إبراهيم، ففي ذريته صلوات اللّه وسلامه عليه، وأما قوله تعالى ‏{‏قال لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ فقد اختلفوا في ذلك فقال مجاهد‏:‏ لا يكون إمام ظالم يقتدى به‏.‏‏,‏ وعنه قال‏:‏ أما من كان منهم صالحاً فأجعله إماماً يقتدى به، وأما من كان ظالماً فلا ولا نعمة عين‏.‏ وعن ابن عباس قال، قال اللّه لإبراهيم‏:‏ إني جاعلك للناس إماماً، قال‏:‏ ومن ذريتي، فأبى أن يفعل، ثم قال ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ وروي عن قتادة في قوله ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ قال‏:‏ لا ينال عهدُ اللّه في الآخرة الظالمين، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش وقال الربيع بن أنس‏:‏ عهدُ اللّه الذي عهد إلى عباده دينهُ، يقول‏:‏ لا ينال دينه الظالمين ألا ترى أنه قال‏:‏ ‏{‏وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين‏}‏ يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق‏.‏ وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏لا طاعة إلا في المعروف‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن مردويه عن علي بن ابي طالب مرفوعاً‏"‏وقال السُّدي ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏‏:‏ يقول عهدي نبوتي‏.‏ فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير‏.‏ وقال ابن خويز منداد‏:‏ الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتياً ولا شاهداً ولا راوياً‏.‏